فصل: تفسير الآية رقم (90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحق عندما يتركهم فإنه يزيدهم ضلالا، ويختم على قلوبهم، فلا يعرفون طريقا إلى الإيمان: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86].
لقد جاءهم الرسول بالآيات الدالة على صدق رسالته، ولكنهم ظلموا أنفسهم الظلم الكبير العظيم، وهو الشرك بالله، ولكن هل هذه الآية قد نزلت في أهل الكتاب الذين كان عندهم نعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإشارات وبشارات به؟ أو نزلت من أجل شيء آخر هو أن أناسا آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به؟
إن القول الحق يتناول الفئتين، وينطبق عليهم، سواء أكانوا من أهل الكتاب الذين آمنوا بالرسل من قبل ولم يؤمنوا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، أم من الذين آمنوا برسالة رسول الله ثم كفروا به، كما حدث من بعضهم في عهد الرسول، مثال ذلك طعمة بن أبيرق، وابن الأسلت والحارث بن سويد، هؤلاء أعلنوا الإيمان واتجهوا إلى مكة ومكثوا فيها، تاب منهم واحد وأخذ له أخوه ضمانا عند رسول الله، والباقون لم يتوبوا.
إن القول الحق يتناول الفئتين، وينطبق عليهم جميعا قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86].
ويفصل لنا الحق سبحانه جزاء هؤلاء بقوله الحكيم: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
واللعنة هي الطرد من الرحمة، والله يعلم كل ملعون منهم، وما داموا قد طُرِدوا من رحمة الله فالملائكة وهم المؤمنون بالله إيمان المشهد يرددون اللعنة، والمؤمنون من خلق الله يرددون اللعنة، وكذلك يلعنهم جميع الناس، وكيف يلعنهم كل الناس سواء أكانوا مؤمنين أم كفارا؟ كيف يلعنهم الكافرون؟ إن الكافر عندما يرى إنسانا يرتكب معصية ما فإنه ينزله من نظره ويحتقره وإن لم يكن مؤمنا.
وهَب أن كافرا وجد إنسانا يخرج على المنهج ويفعل معصية ويرتكب جُرمًا ألا يلعن الكافر مثل ذلك الإنسان؟ أنه يلعنه لأن الفطرة المركوزة التي فطر الله الناس عليها ترفض ذلك ولا ترتضيه.
وهكذا شاء الحق أن يجعلهم ككفار يتلاعنون فيما بينهم، ونجد أن جميع الناس يلعنونهم كذلك؛ لأنهم قد خرجوا عن منهج الله بالكفر بعد الإيمان، وجرهم ذلك إلى اقتراف الآثام، وهكذا تصبح الملاعنة من الجميع، وهم مع ذلك خالدون في اللعنة قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.
ومعنى {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} أي أن العذاب يظل دائما أبدا وقد يظن بعض الناس أن الكافر ما دام سيدخل النار ويحترق فسوف ينتهي أمره. لا أنه يغفل قضية ويذكر قضية، أنه يتناسى قول الحق: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].
إنهم سيذوقون العذاب بأمر من الحق دائما وأبدا، وقد يقول بعضهم: إن العلم قد توصل إلى أن الإنسان تقل حساسيته للألم الناتج من الضرب بالسوط بعد العشرين سوطا الأولى، وهو بذلك ينسى أن العذاب في الآخرة على نمط آخر، إن الله يخلق للمعذب إحساسا جديدا ليظل مستشعرا دائما العذاب، قال الحق: {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي أن عذابهم مؤكد ولا يتركهم الحق ليستريحوا من عذابهم. وبعد ذلك يقول تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
والحق سبحانه وتعالى هو الخالق للخلق كلهم، يحب أن يكونوا على ما يود ويحب؛ لأنهم صنعة الله فهو سبحانه وتعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وقد أمر عباده أن يتوبوا إليه توبة نصوحًا أي توبة صادقة خالصة لا رجوع فيها هذه التوبة تتسم بالاقلاع عن الذنب والندم على ما فات والعزم على عدم العودة للذنب مرة أخرى ورد المظالم لأصحابها إن كانت هناك مظالم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
وهكذا أوجد الحق تشريع التوبة بهدف إصلاح الكون؛ لأن الله لو لم يشرع التوبة لمن أذنب فإن من غفل عن منهج الله ولو مرة واحدة قد يصير في نظر نفسه ضائعا فاسدًا مرتكبا لكل الحماقات، فكأن الله بتشريع التوبة قد ضمن لصاحب الإسراف على نفسه في ذنب أن يعود إلى الله، كما يرحم المجتمع من شرور إنسان فاسد، إذن فتشريع التوبة إنما جاء لصالح الكون، ولصالح الإنسان لينعم بمحبة الله، لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89].
فبرغم كفرهم السابق إلا أن الله برحمته لا يدخلهم في الوعيد؛ لأنهم مطالبون بالتوبة والإصلاح، ومعنى كلمة أصلح أنه زاد شيئا صالحا على صلاحه. والكون ليس فيه شيء فاسد. اللهم إلا ما ينشأ عن فعل اختياري من الإنسان وعلى التائب أن يزيد الصلاح في الكون، وهكذا نضمن ألا يجيء التائب إلى الشيء فيفسده؛ لأن من يريد أن يزيد الصالح صلاحا، لن يفسد الشيء الصالح.
وربما كان هؤلاء الذين أسرفوا على أنفسهم في لحظة من لحظات غفلة وعيهم الإيماني ساعة يذكرون الذنب أو الجريرة التي اقترفوها بالنسبة لدينهم، يحاولون أن يجدّوا ويسارعوا في أمر صالح حتى يَجْبُر الله كسر معصيتهم السابقة بطاعتهم اللاحقة.
ولذلك تجد كثيرا من الناس الذين يتحمسون للإصلاح وللخير، هم أناس قد تكون فيهم زاوية من زوايا الإسراف على نفوسهم في شيء، وبعد ذلك يتجهون لعمل الخيرات في مجالات كثيرة جدا، كأن الله يقول لكل منهم: أنت اختلست من محارمي شيئا وأنا سآخذك إلى حلائلي، أنه الحق يجعل من معصية الفرد السابقة سياطا دائمة تلهب ضميره فيتجه إلى الخير، فيتصدق على الفقراء، وربما كان أهل الطاعة الرتيبة ليس في حياتهم مثل هذه السياط.
ولكن الذين أسرفوا على أنفسهم هم الذين تلهبهم تلك السياط، فساعة يرى الواحد منكم إنسانا قد أسرف على نفسه فليدع الله له بالهداية، واعلم تمام العلم أن الله سيُسَخِّر منه ما يفعل به الخير؛ لأن أحدا لن يسرق الكون من خالقه أبدا. وهذا ينطبق على من قال عنهم الله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ} {وأصلحوا} أي عملوا صلاحات كثيرة لأن حرارة إسرافهم على نفوسهم تلهب ظهورهم دائما، فهم يريدون أن يصنعوا دائما أشياء لاحقة تستر انحرافاتهم السابقة وتذهبها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}.
أخرج النسائي وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار فأسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ فنزلت {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {فإن الله غفور رحيم} فأرسل إليه قومه فأسلم.
وأخرج عبد الرزاق ومسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر والباوردي في معرفة الصحابة قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كفر فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه القرآن {كيف يهدي الله قومًا كفروا} إلى قوله: {رحيم} فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: أنك والله ما علمت لصدوق، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وأن الله عز وجل لأصدق الثلاثة. فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي في قوله: {كيف يهدي الله قومًا} الآية قال: أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، كفر بعد إيمانه. فأنزلت فيه هذه الآيات، ثم نزلت {إلا الذين تابوا} الآية. فتاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد في قوله: {كيف يهدي الله قومًا} الآية. قال: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه فجاء الشام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد في الآية قال: هو رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه قال: قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لحق بأرض الروم فتنصَّر، ثم كتب إلى قومه: أرسلوا هل لي من توبة؟ فنزلت {إلا الذين تابوا} فآمن ثم رجع. قال ابن جريج: قال عكرمة: نزلت في أبي عامر الراهب، والحارث بن سويد بن الصامت، ووحوح بن الأسلت، في اثني عشر رجلًا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش. ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟! فنزلت {إلا الذين تابوا من بعد ذلك} الآيات.
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن ابن عباس، أن الحارث بن سويد قتل المجدر بن زياد، وقْيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد، ثم لحق بقريش فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه. فأنزل الله فيه {كيف يهدي الله قومًا} إلى آخر القصة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن الحرث بن سويد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بأهل مكة، وشهد أحدًا فقاتل المسلمين، ثم سقط في يده فرجع إلى مكة، فكتب إلى أخيه جلاس بن سويد يا أخي إني ندمت على ما كان مني، فأتوب إلى الله وأرجع إلى الإسلام؟ فاذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن طمعت لي في توبة فاكتب إليَّ.
فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} فقال قوم من أصحابه ممن كان عليه يتمنع ثم يراجع الإسلام. فأنزل الله: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} قال: هم أهل الكتاب عرفوا محمدًا ثم كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت محمد في كتابهم، وأقرُّوا به، وشهدوا أنه حق. فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، فأنكروه وكفروا بعد اقرارهم حسدًا للعرب حين بعث من غيرهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (90):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما رغب في التوبة رهب من التواني عنها فقال: {إن الذين كفروا} أي بالله وأوامره، وأسقط الجار لما مضى من قوله: {من بعد إيمانهم} بذلك.
ولما كان الكفر لفظاعته وقبحه وشناعته جديرًا بالنفرة عنه والبعد منه نبه سبحانه وتعالى على ذلك باستبعاد إيقاعه، فكيف بالتمادي عليه فكيف بالازدياد منه! وعبر عن ذلك بأداة التراخي فقال: {ثم ازدادوا كفرًا} أي بأن تمادوا على ذلك ولم يبادروا بالتوبة {لن تقبل توبتهم} أي إن تابوا، لأن الله سبحانه وتعالى يطبع على قلوبهم فلا يتوبون توبة نصوحًا يدومون عليها ويصلحون ما فسد، أو لن توجد منهم توبة حتى يترتب عليها القبول لأنهم زادوا عن أهل القسم الأول بالتمادي، ولم يأت بالفاء الدالة على أنه مسبب عما قبله إعلامًا بأن ذلك إنما هو لأنهم مطبوع على قلوبهم، مهيؤون للكفر من أصل الجبلة، فلا يتوبون أبدًا توبة صحيحة، فالعلة الحقيقية الطبع لا الذنب، وهذا شامل لمن تاب عن شيء وقع منه كأبي عزة الجمحي، ولمن لم يتب كحيي بن أخطب {وأولئك هم} أي خاصة {الضالون} أي الغريقون في الضلال وإليه أشار {ولو أسمعهم لتولوا} [الأنفال: 23] لوقوعهم في أبعد شعابة وأضيق نقابه، فأنى لهم بالرجوع منه والتقصي عنه!. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قال قتادة وعطاء الخراسانيّ والحسن: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، {ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا} بإقامتهم على كفرهم.
وقيل: {ازدادوا كُفْرًا} بالذنوب التي اكتسبوها.
وهذا اختيار الطبري، وهي عنده في اليهود. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية، قولُ من قال: عنى بها اليهودَ وأن يكون تأويله: إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مَبعثه، بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرًا بما أصَابوا من الذنوب في كفرهم ومُقامهم على ضلالتهم، لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب، لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها، إذ كانت في سياق واحد. اهـ.

.قال ابن عطية:

اختلف المتأولون في كيف يترتب كفر بعد إيمان، ثم زيادة كفر، فقال الحسن وقتادة وغيرهما: الآية في اليهود كفروا بعيسى بعد الإيمان بموسى ثم {ازدادوا كفرًا} بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو محمد: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين، وقال أبو العالية رفيع: الآية في اليهود، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة. ثم ازدادوا كفرًا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك.
قال الإمام أبو محمد: وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم، وقال مجاهد: معنى قوله: {ثم ازدادوا كفرًا} أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون، وقال السدي نحوه. اهـ.